تقدير موقف | أثر الحرب على قطاع غزّة في الاقتصاد العربيّ داخل الخطّ الأخضر

حرب "السيوف الحديديّة" وَفقًا للتسمية الإسرائيليّة، شكّلت صدمة للاقتصاد الكّليّ قد يمتدّ تأثيرها لسنوات قادمة، وَفقًا للتقديرات. إلى جانب ذلك، حدّة تراجُع الاقتصاد مرتبطة بمدى الحرب الزمنيّ واحتمال توسُّعها في جبهة الشمال.

تقدير موقف | أثر الحرب على قطاع غزّة في الاقتصاد العربيّ داخل الخطّ الأخضر

نازحون إثر تكثيف قصف الجيش الإسرائيلي على خان يونس، أمس (Getty Images)

بات من الواضح أنّ الحرب على قطاع غزّة تنطوي على أثمان اقتصاديّة باهظة ذات تأثير سلبيّ على الاقتصاد الإسرائيليّ؛ إذ تشير التقديرات الإسرائيليّة إلى أنّ التكاليف المباشرة للحرب (التسليح والذخائر وتجنيد قوّات الاحتياط) والتكاليف غير المباشرة لها (إخلاء السكّان؛ إعادة تأهيل النقب الغربيّ؛ الأضرار التي لحقت بالإنتاج الكلّيّ؛ تراجُع الاستهلاك) ستبلغ نحو 200 مليار شيكل. وفي الربع الأخير من عام 2023، طرأ انكماش في الناتج المحلّيّ الإجماليّ بنحو 10%، ومن المتوقَّع أن يكون نموّ الناتج المحلّيّ في العام الحاليّ صفرًا.

بغية ضبط الأضرار الاقتصاديّة، رصدت الحكومة ميزانيّات إضافيّة للحرب، وأدخلت تقليصات على ميزانيّة العام 2023، وأعادت بناء ميزانيّة العام 2024، لتشمل تقليصات في عدّة بنود منها، وفرضت ضرائب إضافيّة، فضلًا عن رفع سقف العجز الماليّ للحكومة. وقد أقرّت الحكومة الإسرائيليّة الميزانيّة المعدَّلة للعام 2024 بتاريخ 15/1/2024.

أثّرت الحالة الاقتصاديّة السائدة منذ يوم الحرب الأوّل تأثيرًا سلبيًّا بالغًا على المجتمع العربيّ داخل الخطّ الأخضر؛ فقد ارتفعت معدَّلات البطالة، وتراجع الدخل والاستهلاك، وزاد عدم اليقين الاقتصاديّ. ترى ورقة الموقف هذه أنّ الضرر الاقتصاديّ والآثار السلبيّة الناجمة عنه ستكون شديدة على المجتمع العربيّ، وسترافق أبناءه بعد انتهاء الحرب؛ إذ أقرّت الحكومة تقليص الميزانيّات المخصَّصة للمجتمع العربيّ في الميزانيّة المعدَّلة للعام 2024 إلى جانب التقليص العامّ في كلّ الميزانيّة، وبذلك سيتضرّر المجتمع العربيّ على المستوى الفرديّ والمستوى الجماعيّ مرّتين.

على الجملة، يمكن القول إنّ الضرر الاقتصاديّ الذي سيَلحق بالمجتمع العربيّ ناتج عن الحالةِ الاقتصاديّة العامّة، وضعفِ الاقتصاد العربيّ وتعلُّقِه بالاقتصاد الإسرائيليّ، والسياساتِ العنصريّةِ وإعاقة التنمية المعمول بها تجاه الاقتصاد العربيّ المحلّيّ، واستسهالِ تقليص ميزانيّات مخصَّصة للمجتمع العربيّ.

الحالة الاقتصاديّة قبل الحرب

عشيّة الحرب على قطاع غزّة، كان الاقتصاد الإسرائيليّ في حالة جيّدة وَفقًا للمؤشّرات المتعارَف عليها لدراسة اقتصاد الدول الكلّيّ. فعلى سبيل المثال، انخفضت نسبة الدَّيْن الحكوميّ من الناتج المحلّيّ الإجماليّ بنسبة 7.1% عمّا كانت عليه في عام 2022، ووصلت إلى ما يقارب 61% (وهو شبيه لنسبة الدَّيْن في فترةِ ما قبل وباء كورونا)، وكان معدّل البطالة 3.5% فقط؛ وانخفض التضخُّم الماليّ إلى 3.8%؛ وبلغ رصيد النقد الأجنبيّ لدى بنك إسرائيل أكثر من 200 مليار دولار. وكانت التوقُّعات أن يبلغ النموّ الاقتصاديّ عام 2023 نحو 3% -وهي نسبة جيّدة نسبيًّا مقارَنةً بالدول المتطوّرة.

وعلى الرغم من نقطة البداية الجيّدة هذه، فإنّ حرب "السيوف الحديديّة" وَفقًا للتسمية الإسرائيليّة، شكّلت صدمة للاقتصاد الكّليّ قد يمتدّ تأثيرها لسنوات قادمة، وَفقًا للتقديرات. إلى جانب ذلك، حدّة تراجُع الاقتصاد مرتبطة بمدى الحرب الزمنيّ واحتمال توسُّعها في جبهة الشمال. في ما يلي الأسباب الأساسيّة للضرر الاقتصاديّ لغاية الآن:

- التكاليف المباشرة للحرب. منها استخدام الذخيرة والمخزون العسكريّ، وتكلفة استدعاء قرابة 350 ألف جنديّ احتياط، وخسارة سوق العمل نحو 7% من القوى العاملة في أوّل شهرين بعد عمليّة طوفان الأقصى، بسبب الخدمة العسكريّة وتعطيل وإغلاق العديد من الـمَرافق الاقتصاديّة لدرجة توقُّف حركة الاقتصاد.

- إجلاء قرابة 150 ألف مواطن من منطقتَيِ الجنوب والشمال، وتحمُّل الحكومة تكلفة الإيواء.

- تعويضات للسكّان الذين تضرّرت ممتلكاتهم جرّاء الحرب.

- المساعَدات الماليّة للعمّال والشركات المتضرّرة من الحرب، وإعانات البطالة ودفع تعويض عن فقدان الدخل نتيجة الحرب.

- انخفاض إيرادات الدولة نتيجة تراجع إيرادات ضريبة الدخل وتوقُّف الاستثمارات الأجنبيّة المباشرة، وتوقُّف السياحة الخارجيّة والداخليّة منذ بداية الحرب.

- تراجُع الاستهلاك عامّة في مناطق البلاد كافّة -وإنْ بتفاوت- في الأشهر الأولى للحرب.

تشير التقديرات إلى أنّ هذه العوامل ستؤدّي إلى انكماش في الناتج المحلّيّ الإجماليّ بنحو 10% في الربع الرابع من العام 2023، وانخفاض في النموّ السنويّ إلى 2% (أي نموّ مقداره صفر -من حيث نصيب الفرد من الناتج المحلّيّ الإجماليّ). وبالإضافة إلى ذلك، ارتفاع الإنفاق العامّ من شأنه أن يؤدّي إلى عجز في ميزانيّة الحكومة يربو عن 5%، وهذا سيؤدّي إلى ارتفاع في نسبة الدَّيْن العامّ قد تبلغ 64% من الناتج المحلّيّ في نهاية عام 2023. ومن المتوقَّع أن يكون النموّ الاقتصاديّ في العام 2024 قرابة 2% أيضًا، وأن يرتفع العجز في ميزانيّة الحكومة إلى 7% والدَّيْن العامّ إلى قرابة 70% من الناتج المحلّيّ. وكما أسلفنا، التقدير الأوّليّ أنّ تكلفة الحرب ستبلغ نحو 200 مليار شيكل.

في ظلّ هذه الأوضاع، اضطُرّت الحكومة الإسرائيليّة إلى رفع ميزانيّة العام 2023 بـِ 30 مليار شيكل لتبلغ قيمتها الإجماليّة 510 مليارات شيكل. كذلك أعادت وزارة الماليّة بناء الميزانيّة العامّة للعام 2024 وأَقْلَمَتْها لحالة الحرب، وطرحت تقليصات في الميزانيّة ورفع الضرائب. اقترحت وزارة الماليّة تقليص 3% من ميزانيّة الوزارات كافّة، ورفع قيمة الضريبة المضافة من 17% إلى 18% بداية العام 2025 وَفْق اقتراح محافِظ بنك إسرائيل، ورفع مجْمَل ميزانيّة العام 2024 بـِ 69 مليار شيكل لتصل إلى 585 مليار شيكل.

الضرر الاقتصاديّ لدى المواطنين العرب

وَفقًا لعدّة تقارير نُشِرت منذ اندلاع الحرب على قطاع غزّة، الضرر الاقتصاديّ الذي لحق بالمجتمع العربيّ كان حادًّا ومباشرًا منذ اندلاع الحرب، وتُرجِم بالأساس في تراجع المشارَكة في أسواق العمل، وارتفاع البطالة، وانخفاض في مستويات الدخل. على سبيل المثال، نشر منتدى الاقتصاد العربيّ تقريرًا موسّعًا حول نتائج الحرب على مشارَكة المجتمع العربيّ في أسواق العمل. وجد التقرير تأثيرًا حادًّا للحرب على مشارَكة العرب في أسواق العمل؛ فقد ورد فيه ما يلي: "أظهرت المعطَيات أنّ للحرب تأثيرًا خاصًّا على التوظيف في المجتمع العربيّ، ولا سيّما على الرجال العرب، نتيجة الانخفاض الحادّ في نشاط فروع البناء والبنى التحتيّة، وبسبب نقص العمّال الأجانب والفلسطينيّين، إلى جانب انخفاض الطلب في قِطاعات التجارة والضيافة والأغذية والترفيه". توضِّح المعطَيات أنّ نسبة التغيُّب عن العمل في المجتمع العربيّ في الأسبوع الأوّل بعد الحرب بلغت نحو 30%، وانخفضت بعد ستّة أسابيع إلى نحو 20%. ثمّة سبب آخَر لهذه الحالة هو زيادة التوتُّر بين العرب واليهود، ممّا أدّى إلى تقليص العلاقات الاقتصاديّة بينهم.

إلى جانب الزيادة في عدد العاطلين عن العمل، تراجعت مجْمَل ساعات عمل العاملين منذ بداية الحرب؛ فقد أفاد 51% من الرجال وَ33% من النساء بحصول انخفاض في ساعات العمل. ويرتبط انخفاض ساعات العمل أيضًا بالضرر الذي لحق بشعور النساء العربيّات بالأمان، ولا سيّما العاملات في البلدات اليهوديّة، إذ أبلغت 40% من النساء العاملات في البلدات اليهوديّة عن انخفاض في ساعات العمل مقارَنةً بـِ27% من النساء اللواتي يعملن في أماكن العمل العربيّة.

يَخْلُص التقرير إلى أنّ الرجال العرب تضرّروا أكثر من النساء العربيّات، بسبب طبيعة انخراطهم في فروع اقتصاديّة تقليديّة، البناء والبنى التحتيّة والصناعة، مقابل النساء اللواتي يشاركن بالأساس في فروع الخدمات العامّة في البلدات العربيّة.

كذلك نشر مركز أهرون للسياسات الاقتصاديّة في جامعة رايخمان تقريرًا خاصًّا حول تأثير الحرب على الاقتصاد العربيّ، وتوصّل إلى استنتاجات مشابِهة، لكنّه يركّز بشكل خاصّ على الفروق في تأثير الحرب على القوى العاملة وَفْق الأجيال. فوَفقًا للتقرير، الذي يستند كذلك إلى معطيات مسح القوى العاملة لدائرة الإحصاء المركزيّة، تأثّر الرجال العرب في سنّ العمل الأساسيّ (25-64) أكثر من الفئات الأخرى. 28.9% من الرجال العرب العاملين في هذه الأعمار تغيّبوا عن أماكن عملهم لأسباب تتعلّق بالحرب، ثلثهم تغيّبوا بسبب خروجهم إلى عطلة غير مدفوعة الأجر، والباقون تغيّبوا لأسباب "أخرى" تعود على الأرجح إلى التوتُّرات بين العرب واليهود. تَصدَّرَ فرع البناء أعلى نسبة غياب لدى العمّال؛ إذ تَغيَّبَ ما يقارب نصف الرجال العرب العاملين في هذا الفرع في شهر تشرين الأوّل، بينما تغيَّب عن العمل 8.9% من العاملين اليهود فقط بسبب البطالة وأسباب "أخرى". أمّا الفئة العمْريّة 18-24 عامًا في المجتمع العربيّ، ففيها كانت معدّلات التغيُّب عن العمل لأسباب تتعلّق بالحرب من إجماليّ العاملين أعلى ممّا كانت عليه في سنّ العمل الأساسيّة (أي 25-65 عامًا).

ثمّة تحليل خاصّ لقسم الأبحاث في بنك إسرائيل، يحمل العنوانَ "أثر حرب "السيوف الحديديّة" على العمل في المجتمع العربيّ"، استنتج أنّ هنالك ضررًا بالغًا لحقَ بالتوظيف في المجتمع العربيّ؛ إذ بلغت نسبة البطالة بالتعريف الواسع 15.6% في المجتمع العربيّ مقابل 8.6% في المجتمع اليهوديّ.

وَفقًا لبنك إسرائيل، التراجع الحادّ في المشارَكة في سوق العمل في المجتمع العربيّ تأثَّر تأثُّرًا بالغًا نتيجة مشاركة نحو ثلث العمّال العرب في فروع اقتصاديّة ومهن كانت هي الأكثر تعرُّضًا للضرر بسبب الحرب، ونتيجة توقُّف النشاط في مواقع البناء، وانخفاض النشاط في قِطاعَيِ التجارة والترفيه، وكذلك انخفاض توظيف العرب كمقدِّمي خدمات للمجتمع اليهوديّ.

أجمعت التقارير على أنّ احتمال انخفاض نسبة التشغيل لدى المواطنين العرب أعلى بكثير من النسبة المتوقَّعة داخل المجتمع اليهوديّ، وذلك نتيجة لطبيعة الفروع الاقتصاديّة التي يعمل فيها المجتمع العربيّ، وضعف الاقتصاد العربيّ، ونتيجة التوتُّر الحاصل في البلدات اليهوديّة، الذي أسهم في اختيار المواطنين العرب ألّا يكونوا في البلدات اليهوديّة في الأسابيع الأولى بعد عمليّة طوفان الأقصى.

تراجُع الدخل

تراجُع نسبة التشغيل وارتفاع البطالة وتراجع الاستهلاك أدّت - في ما أدّت - إلى تراجع معدَّلات الدخل لدى المجتمع العربيّ تراجعًا ملحوظًا مقارَنةً بالمجتمع الإسرائيليّ. وَفقًا لتقرير منتدى الاقتصاد العربيّ، أفاد 53% من الرجال وَ40% من النساء بانخفاض الدخل في شهر تشرين الأوّل (2023) مقارَنةً بشهر أيلول (2023). كذلك أشار التقرير أنّ الانخفاض في دخل النساء العاملات في أماكن عمل مختلطة (البلدات اليهوديّة) كان أكثر حدّة مقارَنةً بالنساء العاملات في أماكن العمل العربيّة، بينما كان الضرر أشدّ بالنسبة للرجال بصورة عامّة، ولا سيّما العاملين في أماكن عمل عربيّة.

وتشير تقارير أصحاب المصالح العرب إلى تراجع حادّ في الدخل؛ إذ أفاد 87% من أصحاب المصالح في البلدات العربيّة بحصول انخفاض في حجم الدخل أو المبيعات، مقابل حصول انخفاض أكثر اعتدالًا بواقع 73% للمصالح العربيّة في البلدات اليهوديّة.

تقليصات في الميزانيّات الحكوميّة

أقرّت الحكومة الإسرائيليّة، في 15/1/2024، ميزانيّة معدَّلة للعام 2024. تشمل الميزانيّة المعدَّلة اقتراح وزارة الماليّة إجراء تقليص بنسبة 3% في الوزارات الحكوميّة كافّة، وتقليص الميزانيّة المقرَّرة للخطّة الاقتصاديّة للمجتمع العربيّ بنسبة 15% أي بقيمة 4.5 مليار شيكل، ستطول الخطّةَ الخمسيّة "550" (التي اعتمدتها الحكومة السابقة)، وميزانيّاتِ التعليم والتوظيف والرفاه وتطوير البنْية التحتيّة، وخطّةَ مكافحة الجريمة في المجتمع العربيّ. بذا ستتضرّر الخدمات العامّة في البلدات العربيّة وكذلك الأوضاع الماليّة للسلطات المحلّيّة العربيّة. وَفقًا لصحيفة "ذي ماركر" الاقتصاديّة، تقليص الميزانيّة سوف يُخضِع 23 خطّة حكوميّة خاصّة لتقليص بنسبة 15%. جميع القرارات أعلاه تتعلّق ببرامج متعدّدة السنوات، وبالتالي لن يطبَّق التخفيض على عام 2024 فحسب، بل على السنوات التالية كذلك. بَيْد أنّ مراجعة مفصَّلة لاقتراح وزارة الماليّة توضّح أنّه من مجْمَل 37 مليار شيكل مخصَّصة لتلك البرامج هنالك 32 مليار شيكل مخصَّصة للخطّة الحكوميّة لتطوير الاقتصاد العربيّ؛ أي إنّها ستكون الأكثر تضرُّرًا. وتضيف الصحيفة أنّه من ضمن مبلغ الـ 11 مليار شيكل الـمُزْمَع تقليصها، حصّة المجتمع العربيّ هي قرابة 3 مليارات، أي قرابة ربع التقليص.

وعلى ما يبدو، النيّة المبيَّتة لدى وزير المالية سموتريتش بإيقاف تمويل الخطط الحكوميّة الخاصّة بالمجتمع العربيّ كانت عاملًا مركزيًّا في هندسة التقليصات المقترَحة في الميزانيّة الحكوميّة لتكون من نصيب ميزانيّات المجتمع العربيّ، ولا سيّما أنّ هذه التقليصات لا تمسّ ميزانيّات الاتّفاقيّات الائتلافيّة بالحدّة ذاتها. بِذا يدفع المجتمع العربيّ ثمنَ الحرب الاقتصاديَّ مضاعَفًا؛ فمن جهة يدفع ثمن انكماش أسواق العمل والبطالة وتراجع الدخل، ومن جهة أخرى يدفع ثمن الخطط الحكوميّة الرامية إلى التعامل مع التراجع الاقتصاديّ على مستويَيْن: العامّ والخاصّ.

خاتمة

الأضرار الاقتصاديّة في المجتمع العربيّ داخل الخطّ الأخضر نتيجة الحرب على قطاع غزّة كانت مباشِرة وحادّة، وطالت أجزاءً واسعة من المجتمع؛ إذ لم تكن حدّة الآثار السلبيّة نتيجة التراجع الاقتصاديّ العامّ في البلاد فقط، بل تأثّرت كذلك من طبيعة ومواصفات الاقتصاد العربيّ وطبيعة مشارَكة العرب في أسواق العمل، ومن السياسات العنصريّة البنيويّة تجاه المجتمع العربيّ، ومن سياسات إعاقة تنمية الاقتصاد العربيّ. تراجُع الحالة الاقتصاديّة في المجتمع العربيّ، وتقليص الميزانيّات الحكوميّة المخصَّصة للخطط الاقتصاديّة، يعكسان هشاشة طرح "خطاب الإنجازات" الذي تغنّت به بعض الأحزاب العربيّة وروّجت له؛ إذ ما زال الاقتصاد العربيّ اقتصادًا ضعيفًا ومتعلّقًا بالاقتصاد الإسرائيليّ. وتؤكّد الحالة الاقتصاديّة هذه أنّ الخطط والميزانيّات المخصَّصة للمجتمع العربيّ قد تتحوّل، ما دامت مؤقَّتة ومشروطة بـِ "رضى الحكومة والموقف السياسيّ منها"، إلى أداة للمعاقبة السياسيّة أو الاقتصاديّة، ولا سيّما في وقت الأزمات (على نحوِ ما يحدث حاليًّا)؛ بينما المرجوّ أن تُعِدّ خططًا بنيويّة للنهوض بالمجتمع.

تتوقّع ورقة الموقف هذه أن تكون الأزمة الاقتصاديّة في المجتمع العربيّ أعمق وأطول من الأزمة في الاقتصاد الإسرائيليّ، وذلك نتيجة لعدّة عوامل، أبرزها:

1- الحالة الاقتصاديّة المتردّية أصلًا في المجتمع العربيّ مقارَنةً بالمجتمع الإسرائيليّ قبل الحرب.

2- الاقتصاد العربيّ ضعيف ومتعلّق بالاقتصاد الإسرائيليّ، ولا يملك محرّكات نموّ تعمل خارج الاقتصاد الإسرائيليّ أو بمعزل عنه.

3- طبيعة مشارَكة المواطنين العرب في أسواق العمل؛ إذ يشارك الرجال في الفروع الاقتصاديّة الأكثر تضرُّرًا من الحرب (منها - على سبيل المثال - فروع البناء والبنى التحتيّة والصناعة التقليديّة)، بينما تتركّز مشاركة النساء العربيّات في فروع الخدمات الحكوميّة التي تأثّرت سلبًا من التقليصات في الميزانيّات الحكوميّة.

4- تعلُّق الاقتصاد العربيّ بالميزانيّات الحكوميّة. نتيجة لتقليص هذه الميزانيّات، سيتضرّر المجتمع العربيّ أضعافًا وعلى عدّة صُعُد. وعلى المستوى الاقتصاديّ، سيؤدّي تقليص ميزانيّات الخدمات العامّة -كميزانيّات وزارة التربية والتعليم ووزارة الصحّة والرفاه الاجتماعيّ، على سبيل المثال- إلى تراجع فرص العمل لدى النساء العربيّات، وإلى تراجع مشارَكة النساء العربيّات في سوق العمل.

5- اعتماد السلطات المحليّة العربيّة على الميزانيّات الحكوميّة أكبر من اعتماد السلطات المحلّيّة اليهوديّة على هذه الميزانيّات. فمنذ بداية الحرب، عانت السلطات المحلّيّة من تهديدات وزير الماليّة بألّا تُحوَّل إليها الأموال المخصَّصة لها، لأنّ هذا سيعرّض بعض السلطات المحلّيّة العربيّة للإفلاس ولإجراءات قضائيّة.

6- الضرر العامّ نتيجة رفع الضرائب، ولا سيّما رفع ضريبة القيمة المضافة التي لا تتعلّق بمستويات دخل الفرد، وتُلحِق ضررًا بالغًا بالشرائح المستضعَفة -تلك التي ينتمي إليها جزء لا بأس به من أبناء المجتمع العربيّ.

7- السياسات العنصريّة الممارَسة تجاه المجتمع العربيّ، واستخدام مؤسَّسات الدولة والمجتمع الإسرائيليّ عامّة للاقتصاد أداةَ عقاب سياسيّ. من ذلك: مقاطعة البلدات العربيّة؛ عدم تشغيل العرب في البلدات اليهوديّة...

8- محرِّك النموّ الأساسيّ في الاقتصاد الإسرائيليّ في العقود الأخيرة هو قِطاع التقنيّات الحديثة والصادرات، ولا زال المجتمع العربيّ خارج هذه الفروع.

9- الجاري تاريخيًّا أنّ خروج الاقتصاد العربيّ من الأزمات يأتي في أعقاب خروج الاقتصاد الإسرائيليّ من أزمته متأخّرًا عنه، وذلك بسبب تبعيّته وضعفه.

التعليقات